## وداعاً للإفراط في تناول الطعام: خطوات عملية نحو حياة صحية ومستقرة
الإفراط في تناول الطعام مشكلة شائعة تؤثر على الكثيرين، وتتجاوز كونها مجرد شعور بعدم الراحة بعد وجبة دسمة. قد يكون الإفراط في الأكل نمطاً متكرراً يقود إلى مشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل زيادة الوزن، السمنة، اضطرابات الجهاز الهضمي، الاكتئاب، وتدني احترام الذات. لكن الخبر السار هو أن هذه المشكلة قابلة للحل، ومع الالتزام والتصميم، يمكن التغلب عليها وتبني عادات غذائية صحية ومستدامة.
**ما هو الإفراط في تناول الطعام؟**
الإفراط في تناول الطعام هو تناول كميات كبيرة من الطعام في فترة زمنية قصيرة، عادةً ما تكون خلال ساعتين، مع الشعور بفقدان السيطرة وعدم القدرة على التوقف. غالباً ما يكون مرتبطاً بمشاعر سلبية مثل التوتر، الحزن، الملل، أو الغضب. يختلف الإفراط في تناول الطعام عن الشراهة المرضية (Bulimia Nervosa) في أن الشخص الذي يفرط في الأكل لا يلجأ إلى سلوكيات تعويضية للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة، مثل التقيؤ أو استخدام الملينات.
**لماذا نفرط في تناول الطعام؟**
هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا إلى الإفراط في تناول الطعام، وتشمل:
* **الأسباب النفسية:**
* **التوتر والقلق:** يلجأ الكثيرون إلى الطعام كآلية للتكيف مع التوتر والقلق، حيث يساعد الطعام على إطلاق مواد كيميائية في الدماغ تخفف من الشعور بالضيق مؤقتاً.
* **الاكتئاب:** يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى تغيرات في الشهية وأنماط الأكل، مما يزيد من خطر الإفراط في تناول الطعام.
* **الشعور بالوحدة والعزلة:** قد يلجأ البعض إلى الطعام لملء الفراغ العاطفي والشعور بالراحة.
* **صورة الجسم السلبية:** عدم الرضا عن شكل الجسم يمكن أن يؤدي إلى تقييد الطعام بشكل مفرط، مما يزيد من خطر الإفراط فيه لاحقاً.
* **صدمات الطفولة:** التجارب المؤلمة في الطفولة يمكن أن تؤثر على علاقتنا بالطعام وتزيد من خطر الإفراط فيه.
* **الأسباب الجسدية:**
* **عدم الحصول على قسط كاف من النوم:** قلة النوم تؤثر على الهرمونات التي تنظم الشهية، مما يزيد من الشعور بالجوع والرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية.
* **عدم تناول وجبات منتظمة:** تخطي الوجبات يؤدي إلى انخفاض مستويات السكر في الدم، مما يزيد من الرغبة الشديدة في تناول الطعام.
* **نقص بعض العناصر الغذائية:** نقص بعض الفيتامينات والمعادن يمكن أن يؤدي إلى زيادة الشهية والرغبة في تناول أطعمة معينة.
* **بعض الحالات الطبية:** بعض الحالات الطبية، مثل متلازمة تكيس المبايض (PCOS)، يمكن أن تزيد من خطر الإفراط في تناول الطعام.
* **الأسباب البيئية:**
* **التوفر الدائم للأطعمة المغرية:** سهولة الوصول إلى الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، خاصةً الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة، يزيد من خطر الإفراط في تناولها.
* **الضغوط الاجتماعية:** قد يدفعنا الآخرون إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، خاصةً في المناسبات الاجتماعية.
* **الإعلانات عن الأطعمة:** الإعلانات عن الأطعمة المغرية يمكن أن تثير الرغبة في تناولها، حتى عندما لا نكون جائعين.
**علامات الإفراط في تناول الطعام:**
* تناول كميات كبيرة من الطعام في فترة زمنية قصيرة.
* الشعور بفقدان السيطرة أثناء الأكل.
* تناول الطعام بسرعة كبيرة.
* تناول الطعام حتى الشعور بالامتلاء الشديد وعدم الراحة.
* تناول الطعام سراً أو خفية عن الآخرين.
* الشعور بالخجل، الذنب، أو الاكتئاب بعد الأكل.
* تكرار نوبات الإفراط في تناول الطعام.
* التركيز المفرط على الطعام والوزن.
* اتباع حميات غذائية صارمة وغير مستدامة.
**خطوات عملية للتوقف عن الإفراط في تناول الطعام:**
**1. تحديد المحفزات:**
الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي تحديد المحفزات التي تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام. هذه المحفزات يمكن أن تكون عاطفية، جسدية، أو بيئية. للقيام بذلك، احتفظ بمفكرة لتسجيل ما يلي:
* **متى:** ما هو الوقت من اليوم الذي تحدث فيه نوبات الإفراط في تناول الطعام؟
* **أين:** أين كنت عندما بدأت في الإفراط في الأكل؟
* **ماذا:** ماذا كنت تفعل قبل أن تبدأ في الإفراط في الأكل؟
* **من:** من كان معك عندما بدأت في الإفراط في الأكل؟
* **كيف:** كيف كنت تشعر قبل أن تبدأ في الإفراط في الأكل؟ (على سبيل المثال، متوتر، حزين، وحيد، غاضب)
* **ماذا أكلت:** ما هي الأطعمة التي تناولتها أثناء نوبة الإفراط في الأكل؟
بعد بضعة أيام أو أسابيع من التسجيل، ابحث عن الأنماط الشائعة. هل هناك أوقات معينة من اليوم أو مواقف معينة أو مشاعر معينة تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام؟ بمجرد تحديد المحفزات، يمكنك البدء في تطوير استراتيجيات للتعامل معها.
**2. تطوير استراتيجيات للتعامل مع المحفزات:**
بمجرد تحديد المحفزات، يمكنك البدء في تطوير استراتيجيات للتعامل معها. هذه الاستراتيجيات يمكن أن تتضمن:
* **الاستراتيجيات العاطفية:**
* **تقنيات الاسترخاء:** تعلم تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، واليوغا. يمكن أن تساعد هذه التقنيات على تقليل التوتر والقلق، مما يقلل من الرغبة في تناول الطعام كآلية للتكيف.
* **تحديد وتغيير الأفكار السلبية:** غالباً ما تكون الأفكار السلبية مرتبطة بالإفراط في تناول الطعام. تعلم كيفية تحديد وتغيير هذه الأفكار. على سبيل المثال، بدلاً من التفكير في “أنا فاشل لأنني أفرطت في تناول الطعام مرة أخرى”، حاول التفكير في “لقد ارتكبت خطأ، ولكن يمكنني التعلم منه والمحاولة مرة أخرى غداً”.
* **البحث عن الدعم الاجتماعي:** تحدث إلى صديق موثوق به، أحد أفراد العائلة، أو معالج نفسي. يمكن أن يساعدك الدعم الاجتماعي على الشعور بالوحدة أقل وتطوير مهارات التأقلم الصحية.
* **ممارسة هواية ممتعة:** ابحث عن هواية تستمتع بها وتساعدك على تشتيت انتباهك عن الطعام. يمكن أن يشمل ذلك القراءة، الرسم، ممارسة الرياضة، أو قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
* **الاستراتيجيات الجسدية:**
* **الحصول على قسط كاف من النوم:** حاول الحصول على 7-8 ساعات من النوم كل ليلة. قلة النوم تؤثر على الهرمونات التي تنظم الشهية، مما يزيد من الرغبة في تناول الطعام.
* **ممارسة الرياضة بانتظام:** ممارسة الرياضة بانتظام تساعد على تحسين المزاج، تقليل التوتر، وزيادة الثقة بالنفس. حاول ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل معظم أيام الأسبوع.
* **تناول وجبات منتظمة:** تناول وجبات منتظمة يساعد على الحفاظ على مستويات السكر في الدم مستقرة، مما يقلل من الرغبة الشديدة في تناول الطعام. حاول تناول 3 وجبات رئيسية و 2-3 وجبات خفيفة صحية كل يوم.
* **شرب الكثير من الماء:** شرب الكثير من الماء يساعد على الشعور بالشبع وتقليل الشهية. حاول شرب 8 أكواب من الماء على الأقل كل يوم.
* **الاستراتيجيات البيئية:**
* **إزالة الأطعمة المغرية من المنزل:** إذا كنت تعلم أنك تميل إلى الإفراط في تناول الأطعمة المغرية، فتخلص منها من المنزل. إذا لم تكن موجودة، فمن غير المرجح أن تتناولها.
* **التخطيط للوجبات مسبقاً:** التخطيط للوجبات مسبقاً يساعد على ضمان أن لديك دائماً خيارات صحية ومتاحة. يمكنك أيضاً تحضير وجباتك مسبقاً لتوفير الوقت والجهد.
* **تناول الطعام في بيئة هادئة:** تناول الطعام في بيئة هادئة وخالية من المشتتات يساعد على التركيز على الطعام والاستمتاع به. تجنب تناول الطعام أمام التلفزيون أو الكمبيوتر.
* **الابتعاد عن المواقف الاجتماعية التي تزيد من خطر الإفراط في تناول الطعام:** إذا كنت تعلم أنك تميل إلى الإفراط في تناول الطعام في المواقف الاجتماعية، فحاول تجنب هذه المواقف أو وضع خطة مسبقة للتعامل معها. على سبيل المثال، يمكنك أن تقرر مسبقاً كمية الطعام التي ستتناولها وما هي الأطعمة التي ستتجنبها.
**3. ممارسة الأكل الواعي:**
الأكل الواعي هو ممارسة الانتباه إلى الطعام الذي تتناوله، وكيف تشعر أثناء تناوله. يتضمن ذلك:
* **التركيز على الحواس:** انتبه إلى شكل الطعام، رائحته، ملمسه، ومذاقه.
* **تناول الطعام ببطء:** تناول الطعام ببطء يساعد على الاستمتاع بالطعام والشعور بالشبع بشكل أسرع.
* **مضغ الطعام جيداً:** مضغ الطعام جيداً يساعد على تسهيل عملية الهضم وتقليل الشعور بالانتفاخ.
* **الاستماع إلى إشارات الجسم:** انتبه إلى إشارات الجوع والشبع. توقف عن الأكل عندما تشعر بالشبع، حتى لو كان لا يزال هناك طعام على طبقك.
* **تجنب المشتتات:** تجنب تناول الطعام أمام التلفزيون أو الكمبيوتر. ركز على الطعام واستمتع به.
**4. السماح لنفسك بالاستمتاع بالأطعمة التي تحبها باعتدال:**
لا تحرم نفسك من الأطعمة التي تحبها. بدلاً من ذلك، تعلم كيفية الاستمتاع بها باعتدال. هذا يعني السماح لنفسك بتناول كمية صغيرة من الطعام الذي تحبه من حين لآخر، دون الشعور بالذنب أو الخجل. على سبيل المثال، يمكنك أن تسمح لنفسك بتناول قطعة صغيرة من الشوكولاتة الداكنة بعد العشاء، أو تناول وجبة سريعة مفضلة مرة واحدة في الشهر. المفتاح هو الاعتدال والاستمتاع بالطعام دون الإفراط فيه.
**5. كن صبوراً مع نفسك:**
التغلب على الإفراط في تناول الطعام يستغرق وقتاً وجهداً. لا تثبط عزيمتك إذا ارتكبت أخطاء. بدلاً من ذلك، تعلم من أخطائك واستمر في المحاولة. تذكر أن كل خطوة صغيرة تخطوها نحو الأمام هي انتصار.
**6. طلب المساعدة المتخصصة:**
إذا كنت تعاني من الإفراط في تناول الطعام، فلا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة. يمكن للمعالج النفسي أو أخصائي التغذية مساعدتك على تحديد المحفزات، تطوير استراتيجيات للتعامل معها، وتعلم كيفية تغيير علاقتك بالطعام. العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو نوع من العلاج الذي أثبت فعاليته في علاج الإفراط في تناول الطعام.
**نصائح إضافية:**
* **تجنب الحميات الغذائية الصارمة:** الحميات الغذائية الصارمة غالباً ما تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام لاحقاً. بدلاً من ذلك، ركز على اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن يتضمن مجموعة متنوعة من الأطعمة.
* **تناول وجبة الإفطار:** تناول وجبة الإفطار يساعد على تنظيم الشهية والحفاظ على مستويات السكر في الدم مستقرة.
* **لا تذهب للتسوق وأنت جائع:** إذا ذهبت للتسوق وأنت جائع، فمن المرجح أن تشتري أطعمة غير صحية.
* **احصل على الدعم من الأصدقاء والعائلة:** أخبر أصدقائك وعائلتك عن مشكلتك واطلب منهم الدعم.
* **انضم إلى مجموعة دعم:** يمكن أن يوفر الانضمام إلى مجموعة دعم الدعم والتشجيع من الآخرين الذين يعانون من نفس المشكلة.
* **احتفل بإنجازاتك:** احتفل بإنجازاتك، حتى الصغيرة منها. هذا سيساعدك على البقاء متحفزاً.
**أمثلة عملية:**
* **الموقف:** تشعر بالتوتر بسبب العمل.
* **ردة الفعل المعتادة:** الإفراط في تناول الطعام أمام التلفزيون.
* **الاستراتيجية البديلة:** ممارسة تقنيات الاسترخاء لمدة 15 دقيقة، ثم الذهاب للمشي في الحديقة.
* **الموقف:** تشعر بالوحدة في نهاية الأسبوع.
* **ردة الفعل المعتادة:** طلب وجبة دسمة من المطعم.
* **الاستراتيجية البديلة:** الاتصال بصديق أو أحد أفراد العائلة وقضاء بعض الوقت معهم، أو ممارسة هواية تستمتع بها.
* **الموقف:** تشعر بالملل في المساء.
* **ردة الفعل المعتادة:** تصفح الثلاجة وتناول أي شيء تجده.
* **الاستراتيجية البديلة:** قراءة كتاب، مشاهدة فيلم وثائقي، أو ممارسة رياضة اليوجا.
**الخلاصة:**
التوقف عن الإفراط في تناول الطعام هو رحلة تتطلب الصبر والمثابرة. من خلال تحديد المحفزات، وتطوير استراتيجيات للتعامل معها، وممارسة الأكل الواعي، والسماح لنفسك بالاستمتاع بالأطعمة التي تحبها باعتدال، وطلب المساعدة المتخصصة إذا لزم الأمر، يمكنك التغلب على هذه المشكلة وتبني عادات غذائية صحية ومستدامة. تذكر أنك لست وحدك، وأن هناك دائماً أملاً في التحسن.
**تذكر دائماً:** صحتك النفسية والجسدية تستحقان الاهتمام. لا تتردد في طلب المساعدة والدعم الذي تحتاجه لبناء علاقة صحية مع الطعام وتحقيق حياة أكثر سعادة وراحة.